فصل: قال ابن المثنى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد جاء الكلام فيما يؤخذ من الأعداء في ثلاثة مواضع من القرآن:
الأول: في قوله تعالى في سورة الأنفال: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ} [الأنفال: 41].
والموضع الثاني: هو الآية الأولى التي معنا: {وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ} الآية.
والموضع الثالث: هو الآية التي بعدها: {ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ}.
وقد نقلنا لك من الآيات ما يفهم منه أنّ الآيات تبدو متخالفة الحكم، فآية الأنفال تقول: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ} فأسندت الغنم لهم، ثم قالت: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} إلخ فدلّ ذلك على أنّ الغنيمة توزّع أخماسا، على حسب ما فهمته في الفقه، وما عرفته في تفسير الآية في الأنفال.
والآية التي معنا تقول: {وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ} ومعنى هذا على ما علمت: أن ما ردّه اللّه على رسوله من أموال الكفار لا شيء لكم فيه، لأنّكم لم توجفوا عليه، وإنما هو للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة، يصرفه كيف شاء.
والآية الثالثة خالفت هذه الآية، فلم تقل منهم، بل قالت: {مِنْ أَهْلِ الْقُرى} ووزّعت الفيء كتوزيع الغنيمة، مع فرق واحد هو أنّ آية الأنفال وزعت فيها الغنيمة وقيل فيها: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} وآية الحشر جعلت الفيء بين الذين ذكروا في الأنفال، ولم يشر فيها إلى الخمس.
ولقد كان ما بدا من خلاف بين الآيات مثار الخلاف بين العلماء في مدلول الآيات، فمنهم من يرجع آية الحشر الثانية إلى آية الأنفال، ويجعل آية الحشر الأولى منسوخة، ومنهم من يقول: الآيات الثلاث لثلاثة معان متباينة:
فآية الأنفال في الأموال تؤخذ عنوة.
وآية الحشر الأولى [6] فيما يتركه الكفار فرارا ويأخذه المسلمون بعدهم من غير قتال.
وآية الحشر الثانية [7] فيما يؤخذ صلحا من جزية وخراج، وما شابه ذلك.
والأحكام في الآيات مختلفة بحسب ذلك، فما يكون غنيمة يقسّم بين الغانمين، وما يؤخذ فرارا فهو للرسول، يأكل منه، ويصرفه بعد ذلك في مصالح المسلمين، وما يؤخذ صلحا فهو لمن ذكر اللّه في آية الحشر الثانية، وسنزيدك بعض الإيضاح فنقول:
إنّ من العلماء من جعل الغنيمة غير الفيء، وقال: الغنيمة: ما أخذه المسلمون من أموال الكفار في الحرب، والفيء: ما أخذ من غير حرب، وجعل آية الأنفال في الغنيمة، وقال: إن آية الحشر الأولى في الكفار من أهل الكتاب من بني النضير، لم يتكلّف المسلمون عناء في مقاتلتهم، ولم يكن للمسلمين يومئذ خيل ولا ركاب، ولم يقطعوا إليها مسافات كثيرة، إذ لم يكن بينها وبين المدينة سوى ميلين، ولم يركب إلا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكان راكبا جملا، فلما كانت المقاتلة قليلة، ولم يكن للمسلمين فيها خيل ولا ركاب، جعل ما أخذ من الكفار كلّه للرسول صلى الله عليه وسلم، يعول منه أهله، وينفق الباقي في مصالح المسلمين، ثم جعل الآية الثانية من الحشر بيانا لما أفاء اللّه على المسلمين من أموال سائر الكفار، ويجعل الآية الثانية كأنّها جواب سؤال نشأ من الآية الأولى كأنّه قيل: قد علمنا حكم الفيء من بني النضير، فما حكم الفيء من غيرهم، فقال: {ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى} ولذلك ترى العطف.
وقد نقل الألوسي الفرق بين الغنيمة والفيء عن بعض الشافعية، وقال: إن الحنفية قالوا بالتفرقة أيضا، ونقولها عن (المغرب) وغيره من كتب اللغة، قالوا: الغنيمة:
ما نيل من الكفار عنوة والحرب قائمة. وحكمها أن تخمّس، وباقيها للغانمين خاصة.
والفيء: ما نيل منهم بعد وضع الحرب أوزارها، وصيرورة الدار دار الإسلام، وحكمه أن يكون لكافة المسلمين، ولا يخمّس بل يصرف جميعه في مصالح المسلمين.
ونقل هذا الحكم الإمام ابن حجر عمّن عدا الإمام الشافعي من الأئمة الأربعة:
وقال: إن الشافعي خمّس الفيء قياسا على الغنيمة التي ثبت التخميس فيها بالنص.
بجامع أنّ كلّا منهما مال الكفار، استولى عليه المسلمون، واختلاف سبب الاستيلاء بالقتال وغيره لا تأثير له.
وقد روي عن عمر رضي اللّه عنه أنه صنع بأرض العراق ما حكمت به الآية،
وكان بعض الصحابة قد طلب إليه قسمته بين المسلمين كالغنيمة، فاحتجّ عليهم بالآية، ووافقه علي وعثمان وطلحة والزبير، بل إنّ المخالفين أيضا رجعوا إليه بعد ما حكّم الآية.
والذي يعنينا هنا هو اختلاف العلماء في الفيء يخمّس أو لا يخمّس؟ أما توزيع الخمس فليس لنا به تعلق، لأنه ليس في الآية، ولأنّه تقدّم خلاف العلماء فيه في سورة الأنفال [28] فارجع إليه إن شئت، ولنأخذ في تفسير الآية الثانية.
قال اللّه تعالى: {ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}.
قد ذكر اللّه تعالى أنّ ما ردّه على رسوله من أهل القرى هو لمن ذكرهم في النظم الكريم، وهم ستة، وقد اختلف العلماء- الذين قالوا بالقسمة أخماسا، أربعة أخماس للغانمين، وخمس لمن ذكر اللّه تعالى في قسمة هذا الخمس بين الذين ذكروا- فقال جماعة: يقسّم خمسة أسهم للخمسة الذين ذكرهم اللّه، وهم الرسول، وذو القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل وأما اللّه سبحانه وتعالى فإنّما كان ذكره معهم افتتاح كلام تيمّنا بذكره، وإلا فهو مالك السموات والأرض.
وذهب بعضهم إلى أنّ الخمس ستة أسهم، منها سهم اللّه يصرف إلى حاجة بيته، وهو الكعبة، إن كانت قريبة، وإلا فإلى مسجد كلّ بلدة ثبت فيها الخمس، ويقول الجمهور: إنّ جعل السهام ستة خلاف المعهود عن السلف في تفسير ذلك.
وأما سهم الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان له في حياته، ينفق منه على نفسه وعياله، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين.
ثم اختلف العلماء في هذا السهم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فذهب الحنفية إلى سقوطه، وقالوا في تعليل ذلك: إنّ الخلفاء الراشدين ذهبوا فيه هذا المذهب، ولو كانوا يعلمون انتقاله للخلفاء ما أسقطوه، ثم إنّه جعل للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو مشتق من الرسالة، وذلك مؤذن بأنّ الرسالة علة في هذا الجعل. وقد انتهت الرسالة، فينتهي ما نيط بها من الحكم.
ونقل عن الشافعي رضي اللّه عنه: أنّه يصرف للخليفة، لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يستحقه لإمامته لا لرسالته، ولكنّ الأكثر من الشافعية على أنّ السهم باق، ولكنه يصرف في مصالح المسلمين العامة، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «مالي مما أفاء اللّه عليكم إلّا الخمس، والخمس مردود عليكم».
وأما سهم ذي القربى فهو لذي قرباه صلى الله عليه وسلم، وهم معروفون في الفقه، وقد مرّ الخلاف فيهم في سورة الأنفال، فلا نعيده، وكذا بيان اليتامى، والمساكين، وابن السبيل، فارجع إليه إن شئت.
هذا وممّن قال بأن الفيء كلّه للرسول صلى الله عليه وسلم في حياته الإمام الغزالي رضي اللّه عنه، وممن ذهب إلى أنّ الفيء يصرف مصرف الغنيمة الإمام الزمخشري رضي اللّه عنه، فقد جعل آية الحشر الثانية بيانا للآية الأولى، مستدلا بترك العطف على ما مرّ.
وذهب أيضا إلى أنّ المراد بأهل القرى، هو المراد بالضمير في بني النضير في مِنْهُمْ وهم بنو النضير.
وذهب المحقق ابن عطية إلى أنّ الآية الأولى في بني النضير خاصة. وإلى أنّ الفيء فيها للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة، وأما الآية الثانية فالمراد من أهل القرى فيها غير بني النضير، وهم أهل الصفراء وينبع ووادي القرى وما هنالك من قرى العرب التي تسمّى قرى عرينة، والحكم في أموال هؤلاء هو ما قال اللّه: {منها فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى}.
{كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ} الدولة بضم الدال وفتحها ما يدول ويدور للإنسان من الغنى والغلبة، وفرّق بعضهم بين مضموم الدال ومفتوحها، فقالوا: إنّها بضم الدال ما يدول للإنسان من المال، وبفتحها ما يكون له من النصر.
وقال بعضهم: هي بالضم اسم لما يتداول، وبالفتح مصدر بمعنى التداول، وقال بعضهم: بل هما لفظان لمعنى واحد.
والجملة بعد هذا تعليل لتقسيم الفيء، والضمير في يكون للفيء. والمعنى. أنا قسمنا الفيء هذا التقسيم كي لا يختص به الأغنياء، أو كي لا يكون دولة وغلبة جاهلية بينكم، كما كان الأغنياء منهم يستأثرون بالغنيمة، وكانوا يعتزّون به.
{وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ}.
ذهب بعض المفسرين إلى أنّ معنى (آتاكم) أعطاكم من الفيء، وأنّ ما نهاكم أي عن أخذه، فانتهوا عن أخذه، وكأنّه يستعين على ذلك بالمقام.
وذهب بعضهم إلى أنّها في كلّ ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم به ونهى عنه، وفي جملة ذلك الفيء استدلالا بما في الآية من ألفاظ العموم، ولأنّه قال بعدها: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} حيث يتناول كل ما يجب فيه التقوى.
والآية بعد هذا توجب امتثال أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم ونواهيه أيضا، واللّه أعلم. اهـ.

.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال ابن المثنى:

سورة الحشر:
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ} (3) جلوا من أرض إلى أرض جلاء وأجليتهم أنا..
{ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} (5) أي من نخلة وهى ألوان النخل ما لم تكن العجوة أو البرنيّ، إلّا أن الواو ذهبت لكسرة اللام قال ذو الرّمّة:
فوق لينة

[645].
{فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ} (6) الإيجاف وجيف الفرس وأوجفته أنا، الخيل هي الخيل والرّكاب هي الإبل والإيجاف الإيضاع فإذا لم يغزوا فلم يوجفوا عليها..
{كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ} (7) مضمومة ومفتوحة..
{أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها} (17) نصبهما على تمام الكلام الأول فاستغنى.
{مهيمن} (23) ومبيقر ومبيطر ومسيطر هذه الأربعة الأحرف صفات، لها أفعال ووجدنا من الأسماء ما لا ندرى لعلها مصغّرة مديبر اسم واد، ومجيمر ومبيقر. اهـ.

.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها الحشر:

.[سورة الحشر: آية 9]

{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [9] الآية. وهذه استعارة لأن تبوّؤ الدار هو استيطانها والتمكن فيها، ولا يصحّ حمل ذلك على حقيقته في الإيمان. فلابد إذن من حمله على المجاز والاتساع.
فيكون المعنى أنهم استقروا في الإيمان كاستقرارهم في الأوطان. وهذا من صميم البلاغة، ولباب الفصاحة. وقد زاد اللفظ المستعار هاهنا معنى الكلام رونقا. ألا ترى كم بين قولنا: استقرّوا في الإيمان، وبين قولنا: تبوّءوا الإيمان.